اختارت مجلة “فوربس” الأميركية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من أوائل الشخصيات الأكثر تأثيرا في العالم. وأظهرت نتائج المجلة المتخصصة التي نشرتها أمس أن خادم الحرمين الشريفين حل في المركز الثالث عالميا ضمن أقوى الشخصيات تأثيرا بصفته ملكا مؤثرا لمملكة تضم أعظم مدينتين إسلاميتين مقدستين واحتياطيا كبيرا من النفط. وأشارت المجلة إلى أن الملك عبدالله أحدث إصلاحات تدريجية كبيرة في المملكة وحافظ على علاقات جيدة في الداخل والخارج.
واستندت نتائج “فوربس” في اختيار الملك عبدالله على حزمة من المؤشرات شملت مؤتمرات الحوار العالمي والجهود السياسية التي تقودها المملكة لتحقيق الاستقرار بالمنطقة من خلال مبادراتها العديدة للمصالحة في لبنان والعراق وفلسطين وغير ذلك من الجهود السياسية التي ما فتئت الرياض تقوم بها. كما نوه تقرير المجلة بجهود الإصلاح التي قادها الملك عبدالله لجهة تأسيس جامعات جديدة وتعزيز تعليم المرأة وتوفير الفرص أمامها في التوظيف والمشاركة في التنمية.
يقول الدكتور روب سوبهاني، الخبير في السياسة الخارجية الأميركية وشؤون الشرق الأوسط: إن إفشال مؤامرة الطرود المفخخة الأخيرة التي دبرها تنظيم القاعدة وكانت تستهدف مصالح أميركية يعكس حقيقة أساسية وهامة وهي أن السعودية تعزز يوما بعد يوم مكانتها كأحد أهم الحلفاء في الجهود العالمية الرامية لمحاربة الإرهاب. كما يكشف الدور السعودي في إبطال هذا المخطط أن المملكة لاعب عالمي مهم وحيوي ضد التنظيمات المتطرفة.
ونقلت صحيفة هيل الأميركية عن سوبهاني قوله: “لقد وفرت المملكة معلومات حاسمة أدت إلى إفشال مؤامرة القاعدة ضد مصالح أميركية. لقد دفع هذا الموقف جون برينان مستشار الرئيس الأميركي للأمن الوطني ومكافحة الإرهاب إلى الإعلان عن تقديرهم للمساعدة السعودية، فيما ثمّن مسؤولون أميركيون آخرون الدور السعودي في تفادي كارثة محققة كانت تستهدف طائرات أميركية”.
ويضيف سوبهاني، وهو صاحب كتاب عن خادم الحرمين الشريفين: “ليس هنالك شك في أن التغييرات الجوهرية التي أحدثها الملك عبدالله في منهجية الحرب على الإرهاب كانت مثار إعجاب في الكثير من دول العالم التي عانت من هذه الآفة. لقد تجلت عبقرية الملك عبدالله في ذلك في تغيير جوهر “البرنامج” الذي ظل متبعا، وذلك من خلال رعايته لعدد من مؤتمرات الحوار العالمي بين الأديان التي بادر إليها في الداخل والخارج، إضافة إلى دعمه لتعزيز دور الإعلام ودعم قدرات المجتمع المدني وتشجيع المرأة للمشاركة في الأنشطة المجتمعية كافة وإتاحة الفرص أمامها في التعليم والتوظيف”. وأشار في هذا الإطار إلى تعيين الملك عبدالله لنورة الفايز نائبا لوزير التربية والتعليم لشؤون تعليم البنات.
ويمضي سوبهاني قائلا: “إن مبادرات الملك عبدالله والتي شملت مؤتمرات الحوار وافتتاح مؤسسات تعليمية عليا للبنات، إضافة إلى تدشين جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا كل ذلك مثّل حزمة متكاملة لتوفير معالجات جوهرية استهدفت تجفيف بؤر الإرهاب في منابعه. لقد أسهمت هذه الجهود في دفع مسار خطط الإصلاح الشامل التي تستهدف ترقية الحياة السعوية في مجالاتها كافة”. ويختتم الدكتور سوبهاني حديثه مشددا على أن تأثير الدور الذي يقوم به الملك عبدالله “لا يقتصر فقط على داخل حدود المملكة، إذ إن خادم الحرمين الشريفين، وبهذه الصفة، وعطفا على أرض الحرمين التي هي مهد الإسلام، فكل ذلك يجعل من المملكة تحتل مكانة بارزة في نفوس المسلمين في أصقاع الأرض كافة، ومن ثم فإن ظلال الدور السعودي تصل إلى أنحاء العالم الإسلامي كافة”.
يرى خبراء غربيون في قضايا الشرق الأوسط أن المملكة يمكن أن تلعب دورا بارزا بل وحاسما في تسوية العديد من الصراعات التي تعصف بالمنطقة. ويرى الصحفي الأميركي المستقل روبرت دريفاس أن الإدارة الأميركية “لم يبق أمامها إلا طريق واحد لتسوية الفوضى والإشكالات التي أسهمت في بعضها بسياساتها الخاطئة”. ويقول دريفاس في حديث إلى صحيفة ذا نيشن الأميركية: “إن الاستعانة بالدور السعودي لتسوية العديد من المشاكل لاسيما في اليمن وأفغانستان وإيران والعراق ولبنان وفلسطين أمر لا غنى عنه بالنسبة إلى الإدارة الأميركية”. ويضيف: “بكل المعايير فإن إمكانيات نجاح أي مسعى يمكن أن تقوم به السعودية تعتبر كبيرة وذلك قياسا على سياستها المتوازنة مع أطراف الصراع كافة في العديد من البؤر الملتهبة في المنطقة. وإلى جانب ذلك فإن استقرار المنطقة يمثل هدفا استراتيجيا للمملكة التي ترى في ذلك مصلحة عامة”.
ويقول دريفاس: “لقد نالت المملكة إشادة مستحقة من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في الحرب على الإرهاب لا سيما في قضية الطرود المفخخة والتي لولا المعلومات الاستخباراتية التي وفرتها لما كان بالإمكان تفادي كارثة محققة”. ويرى أن المملكة تبذل كل جهدها لإنجاز صفقات سياسية تستهدف تسوية القضايا الشائكة في العراق وإيران وأفغانستان. هذا بالإضافة إلى استمرار الجهود السعودية المخلصة للتوفيق بين حركتي فتح وحماس وإنجاز مصالحة فلسطينية شاملة، ومن ثم توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية للتقدم في مفاوضات السلام برؤية موحدة”.
وأضاف دريفاس: أن المبادرة السعودية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين للعراقيين للاجتماع في الرياض لتسوية خلافاتهم تمثل أحدث حلقة في سلسلة الجهود لتي تقوم بها المملكة “لحلحلة الملفات العالقة في المنطقة”.
وتقول صحيفة ذا نيشن: إن المبادرة حظيت بزخم إقليمي ودولي كبيرين، وفي داخل العراق أبدت أطراف عديدة ترحيبها بها رغم وجود أصوات متحفظة فقط على توقيتها. ويمضي تقرير الصحيفة: “مهما يكن من أمر، فالجميع يعلم أن العراق في مفترق طرق، وهذا يتطلب الوحدة والتسامي فوق الخلافات المذهبية الضيقة من أجل المصلحة العليا للوطن. ومعلوم أن موقف المملكة كما هو موقف غالبية دول الجوار يتمثل في الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية في العراق تشارك فيها القوى السياسية كافة دون حرمان أي طرف من المشاركة، وذلك لضمان الاستقرار في العراق.
يقول دريفاس: “إن تجربة الدور السعودي في تحقيق الاستقرار بلبنان خلال السنوات الماضية جديرة بالتأمل، بل ويمكن استلهامها في إنجاز تسوية سياسية في العراق يتراضى حولها أطياف المشهد السياسي الداخلي وتكون مدعومة من دول الجوار”. وتابع: “يعزز هذا التوجه إجراء اتصالين هاتفيين بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في أكتوبر الماضي يصبان في إطار الجهود الرامية لاستقرار المنطقة”.
أما بخصوص ما يجري على الساحة الأفغانية فقد أشار دريفاس إلى الطلب الذي سبق وأن تقدم به مجلس السلام الأعلى الأفغاني وحثه السعودية للتدخل والمساعدة في دعم جهود المصالحة بأفغانستان بين الحكومة وشرائح المعارضة كافة بما فيها طالبان. ولا تخفى على أي متابع الجهود السعودية في هذا الإطار، حيث سبق أن استضافت المملكة وقبل سنوات محادثات غير رسمية ضمت لاعبين كبار في المشهد الأفغاني وبلد الجوار الباكستاني لاستكشاف آفاق تحقيق تسوية شاملة في أفغانستان ولا تزال تلك الجهود متصلة حتى تؤتي ثمارها المرجوة.