كشف تقرير حديث أصدرته وزارة العمل عن أن الاقتصاد الوطني قادر على استحداث أكثر من 400 ألف وظيفة سنوياً بما يعادل عدد سكان مدينة تبوك الواقعة شمال المملكة، مبيناً أن الإحصائيات تؤكد أن مواطنا سعوديا واحدا يعمل في القطاع الخاص مقابل كل عشرة من العمالة الوافدة التي تعمل سنويا على تحويل قرابة 98 مليار ريال إلى خارج أرض الوطن.
وأبان التقرير، الذي عرض في الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة أمس الأول خلال لقاء وكيل وزارة العمل المكلف للتخطيط والتطوير برجال وسيدات الأعمال لتعريفهم ببرنامج نطاقات، أن ارتفاع نسبة العمالة الوافدة لدى منشآت القطاع الخاص التي لم تحقق معظمها نسب السعودة التي فرضتها وزارة العمل من السابق، جاء من خلال أسباب بعضها مبررة والآخر غير مبرر، وهو أمر أيضا تسبب في إحالة أكثر من مليون مواطن ومواطنة إلى خانة البطالة في ظل ارتفاع حجم عدد التأشيرات التي يتم إصدارها سنوياً، التي بلغت خلال آخر عامين نحو مليوني تأشيرة وإحجام أصحاب العمل عن توظيف المواطن لأسباب متعددة.
وأشار التقرير، الذي تم عرضه على أكثر من 300 من رجال وسيدات المال والأعمال في ظل غياب رئيس الغرفة ونائبيه، إلى أن أخذ البعض بفترة السبعينيات كمثال لاستقدام العمالة والتوسع فيها يعد أمرا منتهي الصلاحية، مرجعاً ذلك إلى أن تلك الحقبة الزمنية كان الجميع يفتقد فيها الموارد البشرية من جهة وإلى المعدات والآلات من جهة أخرى، وهي الفترة التي قد تكون امتدت إلى الوقت الحالي من جانب عدم وجود التخطيط السليم لإحلال المواطن السعودي بدلاً من العامل الوافد في تلك الوظائف، خاصة أن المرافق التعليمية في المملكة في الوقت الحاضر تدفع بنحو 100 ألف طالب وطالبة سنوياً إلى سوق العمل وهم على قدر عال من التأهيل، ويحملون شهادات بمختلف التخصصات، وذلك إضافة إلى انتظار الذين سيعودون من الخارج بعد إنهاء فترات الابتعاث الدراسية، التي تجعل من الجميع يبدأ التفكير بجدية في إيجاد الفرص الوظيفية المناسبة لهم.
وأرجع التقرير أسباب اهتمام المنشآت بتوظيف العمالة الوافدة بدلاً من المواطن إلى رغبتها في منافسة شبيهاتها في نفس النشاط والتفوق عليها من خلال خفض تكلفة الأجور، مبيناً أن ارتفاع نسب البطالة والمشكلات التي تنجم عنها خلق تحديات كبيرة أمام وزارة العمل، التي تبحث الآن بجدية في كيفية خلق الفرص الوظيفية للسعوديين وإحلالهم بدلاً عن العمالة الوافدة، وجعل هذا التوظيف يخلق ميزة إضافية بدلاً من كونه في السابق يعد تكلفة إضافية، وكذلك خفض نسبة إصدار التأشيرات بما لا يسهم في تعطيل حركة التنمية الاقتصادية وضمان استمرارية نموها.
وأكد التقرير أنه من التحديات التي تحتاج إلى وضع الحلول والاهتمام بها تتمثل في التستر وعمل المرأة والأجور المرتفعة وغيرها الكثير، مشدداً على أن تلك التحديات تعد كبيرة وتحتاج إلى عمل دءوب ومقنن، حيث دفع مثل هذا الأمر بالوزارة إلى وضع الحلول المتكاملة على أمدين قصير وبعيد، حيث تمثلت الحلول البعيدة في التدريب ومواطنة المخرجات وإنتاج فرص عمل جديدة، وأما على المدى القصير فسيتم الاعتماد على المبادرات والبرامج لتنظيم العرض والطلب في سوق العمل، لافتاً إلى أن برامج ومبادرات المدى القصير سيتم تفعيلها بشكل متوال حتى يتم حل مشكلة البطالة.
وهنا، قال عبد الله الحقباني وكيل وزارة العمل المكلف للتخطيط والتطوير “إن برنامج نطاقات يأتي تلبية لتوجهات الدولة فيما يتعلق بإيجاد فرص لأبناء وفتيات المملكة، وتحقيق النمو والاستقرار في المجال الاجتماعي، وفي مجال التنمية الاقتصادية”، مشيراً إلى أن البرنامج سيلبي احتياجات شريحتين مهمتين، هما شريحة رجال الأعمال واحتياجاتهم في التوسع والبناء وتنمية الاقتصاد الوطني، والشريحة الثانية لأبناء المجتمع من حيث خلق وظائف قادرة على استيعابهم. وأكد أن البرنامج جاء مبنيا على دراسات علمية وإحصائية دقيقة تتوافق مع الاحتياجات الوطنية في مضمونها المستقبلي، والذي سيكون له الأثر الإيجابي في اقتصاد المملكة التي تأتي في المرتبة الـ23 عالميا، مبيناً أنهم في وزارة العمل يهتمون بدائرتين مهمتين تتمثلان في طالبي الوظائف من المواطنين والمواطنات وفي القطاع الخاص نفسه، حيث إن أفراد الدائرة الأولى يبحثون عن الاستقرار الوظيفي من خلال وجود بيئة عمل تكون مناسبة في ظل شكاواهم بعدم وجود البيئة المناسبة، والرواتب المتدنية وعدم وجود الأمان الوظيفي وارتفاع عدد ساعات العمل الطويلة، بينما القطاع الخاص يشتكي من صعوبة فصل الموظف السعودي من العمل عند عدم الرغبة فيه مقارنة بالأجنبي، وأن المواطن تكلفة أجوره عالية ويصعب عليه التكيف والتأقلم مع نوع الوظيفة، وكذلك ضعف التأهيل للمواطن المتقدم للوظيفة.
وتابع الحقباني “برنامج نطاقات هو عبارة عن فتح صفحة جديدة لتنظيم سوق العمل، وليس الحل السحري لكامل مشكلات السوق، ولكنه يعد من إحدى المبادرات التي تأتي مشكلة حزمة كبيرة لإصلاح السوق، والتي منها نظام حماية الأجور، نظام المرصد الوطني لسوق العمل، إضافة إلى عديد من المنظومات المهمة التي تأتي على هيئة حلقة ستسهم في تحقيق وحفظ مصالح صاحب العمل والموظف المواطن”، مؤكداً أن الباحثين عن فرص عمل ليسوا راضين على وزارة العمل من خلال شكاواهم المتمثلة في أن الوزارة أغرقت السوق بالتأشيرات، وقلصت الوظائف المتاحة أمامهم، وأنها تتهاون في فرض نسبة السعودية عليهم وتطبيقها عليهم، وأن القطاع الخاص يتهم الوزارة بالتشديد في إصدار التأشيرات بما يؤثر في حركة التنمية الاقتصادية، وأن النسبة المفروضة عليهم في السعودية غير منطقية، وذلك لعدم قدرة كثير من المنشآت على تطبيقها.
وزاد الحقباني “اتهمنا بأننا نضع نسب سعودة غير واقعية وغير ممكن تطبيقها، ولكن من خلال برنامج نطاقات ستراعى الجوانب كافة، وسيوفر فرص العمل المناسبة وسيلبي حاجة المشاريع التنموية”، مفيداً أن برنامج نطاقات هو أيضا عبارة عن برنامج تحفيزي لتوطين الوظائف التي ستكون ميزة تنافسية جيدة، بحيث إن المنشآت التي تحقق نسبا مرتفعة في التوطين ستحصل على حوافز وميزات عديدة وكثيرة تساعدها على النمو وتجعل توظيف السعوديين أمراً حيوياً لديها، وهي الميزات التي لن تحصل عليها المنشآت ذات نسب التوطين المنخفضة. كما شدد أن وزارة العمل بدأت تراجع سوق العمل من خلال دراسات وإحصائيات دقيقة تعالج الواقع، وأنها لم تعتمد على الفرضيات أو وجهات النظر، وإنما تتعامل مع أنظمة ذكية تقرأ وتحلل البيانات من خلال خبراء مختصين في علم الإحصاء والدراسات السكانية، لافتاً إلى أن الوزارة بدأت في مسار التصحيح، وأنها ستهدف من خلال مبادراتها وبرامجها إلى تلبية احتياجات سوق العمل ومتطلبات النمو، حتى تكون السوق قادرة على استحواذ العمالة وتوطين الوظائف بما لا يتعارض مع النمو الاقتصادي وتحقيق النجاح.
وزاد الحقباني “لو فرضت الوزارة بعض التنظيمات التي تكون غير قابلة على التطبيق لتأثر الاقتصاد سلباً، وبالتالي سيتسبب في الحد من إيجاد الفرص الوظيفية للمواطنين، وهو الأمر الذي جعل الوزارة تعيد التصنيف، وتركز اهتمامها على دعم المنشآت التي تهتم بالتوطين، ودفعها للتوسع، وفتح الفروع لزيادة عدد الفرص الوظيفية المتاحة”، مستدركاً أن التعامل مع جميع المنشآت بأسلوب واحد هو أمر لا يخدم التنمية الوطنية، ويفقد الجميع عنصر المنافسة، وهو الأمر الذي تسعى الوزارة إلى الانتهاء منه والتعامل ضمن برنامج نطاقات الذي يعد واقعيا ومنصفا في التقييم، وهو ما يجعله برنامجا مبنياً على معايير ودراسات، وليس عشوائيا، وكذلك أسهم البرنامج في تخفيض نسبة التوطين في جميع النطاقات بنسبة أقل من السابق، وهو ما سيجعل من المنشأة في النطاق الأحمر تعد من أسوأ الشركات في التوطين، مقارنة بالمنشآت المشابهة له.
وأشار وكيل وزارة العمل إلى أن الوزارة حريصة على بقاء المنشآت في ضمن الكيانات الناجحة، وحريصة أيضاً على دعم تلك المنشآت، وهي شريك استراتيجي ستقوم بإعطاء امتيازات مثل إعطاء التأشيرات، تعديل مسميات المهنة، ونقل خدمات من قطاعات أخرى، شريطة عدم النزول عن مستويات الكيانات الناجحة. وأوضح أن أي رجل أعمال يقوم بفتح أي منشأة، هذا يعني في عرف وزارة العمل الحصول على فرص وظيفية بشكل أكبر، وهي من أكبر التحديات التي تراهن عليها الوزارة في الفترة الحالية، مبيناً أن حزمة من الامتيازات ستطال الكيانات الممتازة، وستؤهلها تصنيفاتها إلى تغيير المهن على سبيل المثال من شباك الجوازات مباشرةً، دونما الذهاب إلى مكتب العمل.
وأفاد الحقباني بأن خروج العمالة الوافدة ضمن النطاق الأحمر بعد مضي ست سنوات على بقائها في السعودية، نافياً ما تردد في وسائل الإعلام بأن هذا القرار صائب على العموم، بل إن النطاق الممتاز والأخضر يبقى إلى ما شاء الله كنوع من الامتياز والتحفيز، أما العامل في النطاق الأصفر، فإنه سيواجه خيارين، إما أن ينطلق إلى كيان أفضل كالأخضر والممتاز، وفي الإمكان عمل ذلك أو من الأفضل لصاحب العمل أن يراجع منشأته، ويقوم بعملية تصحيح خلال فترة الأشهر التسعة، وهي نفس المدة التي منحتها الوزارة لتصحيح الأوضاع. وأضاف “الحصول على معلومات تفصيلية تختص بابن السعودية أو صلات قرابة مختلفة، سيتم الحصول عليها آلياً من مركز المعلومات الوطني في وزارة الداخلية، ومن خلال الـتأمينات الاجتماعية”، مردفاً “المشاريع الكبيرة ستحصل على شهادات تأهيلية وستقوم الجهات ذات العلاقة بدعمها، وسيطبق عليها برنامج نطاقات ضمن نسب التوطين المستحقة والمبينة في أنشطة نطاقات، مطالباً بالتعاون في تنفيذ آلية توظيف السعوديين غير الملتزمين بآلية العمل، من خلال اختيار أشخاص مناسبين عن طريق اختبارات تأهيلية وبناء المكان المناسب وتهيئة الموظف، وتحديد رواتب تشجيعية”.